صلاح Admin
عدد المساهمات : 436 نقاط : 1001 تاريخ التسجيل : 07/11/2009
| موضوع: مملكة الذهب الخميس ديسمبر 03, 2009 6:11 am | |
| مملكة الذهب جاسم محمد صالح* [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الفصل الأول المشهد الأول ( سوق عامة , دكاكين ومارة الباعة يعرضون بضاعتهم … أصوات … رقص وموسيقى , يدخل رجال مدججون بالرماح والسيوف يعبثون بالمكان , صخب وعنف وصراخ متواصل ,استغاثات من هنا وهناك ,يشاهد الرجال المدججون بالسلاح وهم يخرجون وقد اقتادوا معهم بعض الرجال والنساء ... تتلاشى الأضواء شيئا فشيئا حتى يخيم على المكان هدوء كلي , صوت ريح يعصف بالمكان. يركز الضوء على رجل مرمي على الأرض أمام دكانه وقد تناثرت أمامه كتب و أوراق ). صوت / الريح الشتائية الباردة تعصف بالمكان … آه منك أيتها الريح , تكابرين أبدا, إنها لحظات تسبق الموت … ما أتعس هذه اللحظات … تمر الأزمنة , ولا شيء يتبدل فيها...وأنت أيها الإنسان … يا من تنظر بوجه الشمس … تبقى مرميا حيث أنت … مثل دولاب يدور … تتمزق الأوراق وتتبعثر … ولكن الكلمات لا تضيع … قل لي من يستطيع أن يسرق الكلمة من سطر الكتاب ؟ من ؟ .... قولوا لي !! … قولوا لي . (يقف الرجل المرمي على الأرض يتحرك في مكانه ) أبدا تظل الريح ريحا … تعصف وتزمجر .... وتملا الجو رعباً وخوفاً (ينظر الرجل إلى أوراقه المتناثرة ) لن تجمع ورقه بعد ألان … لتبق الأشياء في مكانها , حيث هي و ليسع إليها من يريد أن يعرف معناها … هكذا الحكمة تقول , من لا يعرف قيم الأشياء يبعثرها … (ضحك متواصل ) لكن الأشياء المبعثرة لن تفقد قيمتها أبدا… تظل مثلما كانت … مثل عقد لآلي قطعته الريح الغبراء ذات يوم … اللآلئ هي نفسها … لكنها فقدت خيطها وبريقها. ( ضحكات متواصلة , ينحني لتناول ورقة من الأرض …يتحرك ) إن الرياح تدفع أمامها السفن بعنف وتملا الموانئ صخباً, حتى قراصنة البحر يفزعون حين تتناهى إلى أسماعهم … دمدمتها لأنها تذهلهم وتشد خوفهم , أيتها الريح … كم أتمنى ان تكوني ريحا صرصرا تتهاوى أمامك كل القلاع … كم اتمنى ان تكوني اعتى … واعتى … … واعـ … ت …ى… !!!. (يسقط على الأرض منحنياً ويخفت الضوء … بينما يزداد صوت الريح ارتفاعا, صراخ وحركة أرجل ). المشهد الثاني (قصر الولي ,الوالي في الوسط ,رجال يحيطون به ,تسمع أصوات ضحك ) الوالي : كم تمنيت ان اسمع منكم نكتة … ولتكن حكاية موجزة عن قط يطارد فأرة . الحاجب : لدي حكاية تعجبك يا سيدي الوالي. الوالي : اية حكاية ؟ الحاجب : إنها حكاية الوراق . الوالي : قصها علي بسرعة , فربما تكون حكاية جميلة … ربما فيها نكتة … نكتة بارعة جميلة , واذا اضحكتني فلك مني جائزة ثمينة . صاحب الشرطة : أنا أقص لك ما حدث , إنها نكته … ولكنها من نوع آخر … لقد اضحكتني كثيرا . الوالي : قصها علي بسرعة , حتى ولو كانت من نوع آخر . صاحب الشرطة : بالأمس يا سيدي الوالي… الوالي : قل لي ماذا حدث ؟ صاحب الشرطة :حدث شئ لم نسمع به أبدا , فقد حاول بعض الناس ... الوالي : (منتفضاً في مكانه) ماذا حاول ؟ … هل ذكرني بسوء ؟ صاحب الشرطة : لا يا مولاي … كيف يكون ذلك وأنا موجود ….إنها محاولة في الحلم . الوالي : (ضاحكا ) يا للنكته …إنها حقا نكته جميلة . صاحب الشرطة : وأجمل ما فيها يا مولاي … إن ذلك الرجل صعلوك … لا احد يعرفه (ينظر الوالي إليه بغضب) لا يا مولاي …قلت لك إنها مجرد محاولة . (يخفت الضوء ويختفي المشهد , ويظهر المشهد الأول ,الرجل يقرا … بصمت وهو يفكر … حركات مختلفة … وانه مسجون في كل حركة من حركاته , تسلط الأضواء من حين لآخر … على عيون صاحب الشرطة ورجاله وهم ينظرون إلى الرجل بغضب … يقع الرجل فوق الكتب المبعثرة …تدخل عليه امرأة حاملة ثوباً جميلا مزركشا ,يسلط الضوء عليها لكن رجال صاحب الشرطة يسرقونه منها وتخرج مسرعة … يتلوى الرجل على الأرض صارخا …تدخل المرأة مرة أخرى حاملة طعاماً … يزداد الرجل ألما … تخرج ثم تدخل وهي تحمل مجموعة من الكتب … تمد الأيدي إلى الكتب وتمزقها , يصرخ الرجل , حركة في المسرح … يعم الهدوء …ظلام) صاحب الشرطة : ولم نترك له يا مولاي …لحظة واحدة . في حلمه … منعنا عنه كل شيء قبل إن يفتح عينيه … (باستهزاء ) ولكن ربما سيقدم ضدنا شكوى أمام محكمتنا العادلة . الوالي متعجبا) ؟ شكوى … نحن وكما تعلم , نتمسك بقوانين حقوق الإنسان بشكل حرفي …لانفرط بأية مادة منه . الحاجب : شكوى ضدنا لأننا سرقنا الحلم من عينيه … اقسم بالله أنني لم أضع شيئاً في جيبي … إنها حقا أحلام المجانين … ترى ماذا سيجنون من حلم تافه لا يتحقق أبدا ؟!! إن تعليماتك أوصلتها إليه (مشيرا إلى صاحب الشرطة) بأمانة … وها قد رأيت ما فعل … انه جبل من الذكاء…كل صخرة فيه تنطق عبقرية . صاحب الشرطة :هذا إطراء لا استحقه وكل ما يهمني هو رضاؤكم عني وسجل خدمتي لديكم يدل على ذلك . الحاجب : انه نعم الخادم الأمين … انه فعلا صادق في ما يقول , انه حقا يتمنى إن تطأه بقدميك ولو لمرة واحدة … وهو فرح . صاحب الشرطة : انه شرف لي يا مولاي ... وكم أتمنى إن احضى بهذا الشرف الكبير. الوالي : اعرف ذلك ولكنني كما تعرف لا أحب إن أحقق رغبات اقرب الناس إلي بهذه السهولة … أريد منهم دائما إن يعيشوا في الأمل …الأمل الذي أراه …(يتحرك الوالي في مكانه)… الأمل سيجعل الناس سعداء والخيرات تملا كل شبر من مملكة الذهب … مملكتي هذه . ياه …. ما أجمل الأمل حينما يتحقق في مملكتي!!! الحاجب :شيء رائع يا مولاي … إن يكون لمملكتنا اسم جميل كهذا الاسم . صاحب الشرطة : قرانا في سجلاتنا انه في غابر الأزمنة إن مملكتنا هذه كانت تسمى (مملكة الشحاذين ). الحاجب : وبعضهم سماها الأرض القفراء والآخر سماها المدينة المجدبة … ولكن ما أروع تسميتكم هذه ... إنني أتصورها مثلما يتصور العطشان بحيرة الماء . الوالي : (ضاحكا ) ما أقوله أشياء رائعة … انتم تعرفون ذلك , وقد جربتموني في كثير من الأمور … لا حاجة لان أذكركم بها . الحاجب : مملكة الذهب هذه مملكة الخيرات والسعادة الأبدية … يا لها من مملكة رائعة , أروع ما فيها … هو أنت صاحب الشرطة : لا لصوص … لا سراق ولا غشاشين في هذه المملكة … الحاجب : (مع نفسه) مملكة الذهب مملكة العدالة و القانون … لطالما اشتاقت نفسي إلى مملكة كهذه المملكة … يا لفرحي لقد تحقق حلمي … سأكون سعيدا بعد موتي الوالي : و أنت أيها الحاجب تعرف ما تفعل … إنها مسالة كباقي المسائل الحاجب : سننفذ إرادتك على أحسن ما يكون … ومنذ هذه اللحظة … (يتحرك ) بل من هذه الثانية … لا … بل و منذ الآن . الوالي : أنا اعرف قدرتك وخبرتك …. انك بارع فيما تقول , فلي ثقة عظيمة في مواهبك الفذة ,أنت تعرف ان الفارس العظيم يعتمد أيضا على سيفه, مع انه قوي وكلما كان السيف صقيلا … وحادا كانت للفارس هيبة أقوى …وبطشا اشد … ان ذلك يترك في نفوس أعدائه خوفا أبديا … خوفا يرتجف من ذكره حتى الأطفال في بطون أمهاتهم . الحاجب : يا مولاي … أخجلتني بإطرائك هذا , سأقول ذلك للناس بفرح وسرور …استعدوا لبناء بيوتكم بالذهب … ولتغتسلوا بماء الورد ثلاث مرات في اليوم , حتى تمتلئ أجسامكم بالعطر ...إنها رغبة مولانا . صاحب الشرطة : وأنا… إذا أذنت لي , سأحاسب كل من يخالف ذلك ,سأقول لهم : من لا يبني بيته بالذهب يجعل منظر مدينتا اقل جمالا … مولانا الوالي يريد لمملكتنا ان تكون أجمل مملكة في الدنيا وسكانها أكثر سكان هذا الكون سعادة وهناء , سأجعل رجالي يشمون أجسادهم في الطرقات … والويل … ثم الويل لمن لايستحم بماء الورد … ومن النوع الفاخر حتما . الوالي : لقد أذنت لك بذلك … ولكن عاملوا الرعية برفق . صاحب الشرطة: لا حاجة لان تذكرنا بذلك …انك تحبهم مثل أبنائك … بل وأكثر . الحاجب : إنهم فعلا أبناؤك . الوالي : أبناء مدينة الذهب أبنائي … لأنني أريد لهم ذلك . الحاجب : ونحن أيضا نحب كل ما تحب . الوالي : ولهذا أريد منهم أن يلبسوا الحرير الطبيعي … قلت الحرير الطبيعي . الحاجب : مولاي الوالي… أنت الذي أسميت مملكتنا بـ(مملكة الذهب) و أمرتهم ببناء بيوتهم من طابوقه و أمرتهم بلبس الحرير الطبيعي وان يغتسلوا بماء الورد ثلاث مرات في اليوم… يا لروعتك… ويا لكرمك اللامحدود الوالي : أنت ذكي أيها الحاجب . الحاجب :انك دائما تغازلني بكلماتك هذه و تجعلني أفكر بان حبك لي لا حدود له , كل ذلك يا مولاي من اجل ان يكون الناس أكثر جمالا وسعادة . صاحب الشرطة : أما الذين لا يلتزمون بكلام مولانا الوالي …فسننظف شوارع مدينتنا منهم و نجعلهم طعاما لأسماك مولانا … ولحيواناته النادرة . الحاجب : أنا اعترض على ذلك … إذا سمحت لي أيها الوالي . صاحب الشرطة : أتعترض على حبنا المطلق للوالي … إنها جريمة عقابها الموت, إياك ان تكون صادقا في كلامك أيها الحاجب . الوالي : تفضل أيها الحاجب … أما تعرف إننا نحترم الرأي ونقدسه ؟… أما تعرفون ذلك عنا ؟… لقد جربتمونا وعرفتم صدق أقوالنا وأفعالنا . صاحب الشرطة : اعرف ذلك الحاجب :كيف يريد صاحب الشرطة ان يرمي لأسماكك النادرة من هب ودب من المخلوقات ؟ ربما ذلك يؤذي أسماكك … حينما يتغير طعامها أخفي ذلك على صاحب الشرطة ؟ ولكن ربما … الوالي : ربما ماذا ؟ ربما ماذا ؟ تكلم أيها الحاجب , لقد أقلقتني , تكلم وإلا قطعت رأسك الآن . الحاجب : ان رأسي فدى لك يا مولاي … الوالي : …(صمت ) إنها… لم اقصد ان اقطع رأسك حقيقة , إنها مجرد دعابة , كم أنت عزيز علي أيها الحاجب … انك تعرف إنني كثير المداعبة لمن أحب . الحاجب : لا يا مولاي … لا يا مولاي … لا تفكر بقطع رأسي حتى لو كان ذلك مداعبة , لأنك بحر العدالة … وينبوع الحنان … وحامي القانون الوالي : هذه الكلمات العابرة , سقطت من شفتي والكلمات تقال و لا تطبق الحاجب : عفوا يا مولاي انك تحبنا أكثر من حبنا لا نفسنا , ولكن خوفي على أسماكك وحيواناتك النادرة … من ان تموت لو أكلت أجساد هؤلاء المخلوقات التي لم تستحم بماء الورد … ولم تلبس الحرير بألوانه الزاهية . الوالي : (مفكرا مع نفسه ) لك حق في ذلك …. لقد تعبت كثيرا في الحصول عليها, إنها حيوانات نادرة . صاحب الشرطة : مولاي …إذا كان الأمر كذلك نكتفي بالمخ والقلب والعين واللسان, ان هذه الأجزاء تحبها حيواناتك, إنها تعرف طعمها جيداً وترفض أكل غيرها . الوالي : ( متألما ) يا للخسارة …. لقد نسيت واجبي تجاه من أحب … أن هؤلاء جزء من مملكتي … وما دام سكان مملكة الذهب سعداء …فهولاء أيضا يجب ان يكونوا مثلهم سعداء , وأنت يا صاحب الشرطة . صاحب الشرطة : نعم ما تقول الوالي : قد أذنت لك بان تطعم حيواناتي …( بهدوء ) ولكن لا أريد ان اسمع استغاثة من أحد … فأنت تعرف حبي الشديد للصمت ... صاحب الشرطة : لن تسمع صوتا أبدا يا مولاي …. فقد عودتنا ان نحب الهدوء والصمت فهما أجمل الأشياء … (متسائلا ) هل سمعت يوما ما صوتاً ؟! الوالي : (مفكرا …كمن تذكر شيئاً ) ولكننا خرجنا عن الموضوع … لنعد إلى ما كنا نتكلم فيه . الحاجب :الحاجب عفوا أيها الوالي … فقد كنا نتكلم عن الوراق … صاحب الشرطة: سأقص عليك ما حدث …وبالتفصيل … يا سيدي الوالي . (قطع على حالة دخول رجال الوالي إلى السوق بعصبية ) اسمعوا أيها الناس …ان مولانا الوالي , قد شملكم برحمته فقد أمرنا ببناء سجن كبير للصوص حتى ينقذ الناس من شرورهم , و لا مانع لدينا في ان يتبرع الناس لهذا المشروع العظيم , بما يملكون … فهو مفخرة لمدينتكم … حق لكم ان تباهوا المدن بسجنكم هذا … الوراق : يا صاحب الشرطة … (صاحب الشرطة لا ينتبه إليه ) … يا صاحب الشرطة صاحب الشرطة : ماذا تريد أيها الوراق ؟ انك تقاطعني كثيرا. الوراق : ( مع نفسه …وهو يتحرك )… ان من يسلب الناس أموالهم لا يحق له ان يتكلم عن الصدق والنزاهة , ومن يطفئ الشموع ليس جديرا بان ينظر إلى قرص الشمس … ومن يغتسل بدموع الناس لا يكون نظيفاً أبدا , ان الكذب مهما كانت حباله قوية إلا أنها سريعة القطع …لا يمكن وضع حجر فوق عش العنكبوت … أبدا لا يمكن !!! صاحب الشرطة : هذه الأوراق تجعلك … غير سعيد أيها الوراق … انك قلق دائما وتفكر … لهذا فان عدالة مولانا الوالي تدفعنا لان ننقذك من نفسك … وان تمزق عنك أردية التعاسة , هذه رغبة الوالي (مخاطبا رجاله ) ابعدوا التعاسة عنه واجعلوه سعيداً كي يعيش فرح يومه وينسى الوهم. (رجال صاحب الشرطة يمزقون الأوراق ويبعثرون الكتب ويطفئون الشموع ويكسرون الأقلام ، الوراق يسقط أرضا بعد ان يتحرك مرعوبا وخائفا …وهو يردد مع نفسه) الوراق : ( كمن يخاطب الوالي) أتعرف حرفا من السعادة ؟ أتفهم شيئا منها ؟ تردد الكلمات على شفاهك مثل الآلة ، لا تملك حسا ولا رغبة…ولا إدراكا ،حتى آلة الحديد تصاب بالتكسر إذا أخطأت ولكن حتى التكسر لا يعرف طريقه إليك ...سحقا لماء الورد الذي ذكرته على لسانك …يا أنت يا نكد الزمان وبؤسه , تتكلم عن طابوق الذهب , وأنا لا امتلك ذرة من تراب…ماذا ترك لي رجالك ؟ …سلبوني كل شئ…حتى ثيابي الممزقة هذه ...هنالك ألف من يتوعدني بسلبها ...لا... لن تهتدوا إلى أثمن ما املك… ولن تستطيعوا > (قطع على مجلس الوالي ) صاحب الشرطة :هذا الذي حدث في سوق المدينة يا مولاي ...نقلته إليك بأمانه وصدق…فقد علمتنا ان نكون كذلك في كل شيء . الوالي :حسن فعلت ... سأذهب الآن لرؤية الطيور والأسماك والكلاب وكل الحيوانات التي أحبها…أما انتم فلكم أشغالكم الكثيرة , لا تنسوا حب الناس وحمايتهم…في كل فعل تفعلونه . المشهد الثالث (حيوانات …كلاب وطيور محنطه , صور على الجدار لحيوانات خرافية…خرتيت…ديناصور…عنقاء ...الظلام يحيط بأرجاء المكان , يدخل الوالي والضوء يتابعه) صوت :ومرت أزمنه كثيرة وبرع أتباع الوالي في واجبهم ...وتسابقوا للتفاني ،وحدثت أمور وتغيرت أمور ولكنهم لم يعرفوا طريق الشمس ولم يسيروا إليها ...والظلام ألشتائي القارص يجعلهم يرتجفون…حتى بعد ان أكلوا وشربوا ما شاء لهم (الوالي يبدو وهو يتألم و يختنق من سماع الصوت و يتلوى) الوالي :ما أتعسني وما اشد عذابي …أنا… من أنا ؟لا اعرف لذاتي اسما …أضيع في كل الوجوه ،ابحث عن شئ أريده ،ولا احصل عليه ،شيء لن تراه العين ولن تمسه الأيدي …ابحث عنه في الوجوه ،فلا أرى شيئا , كاذبونً في كل ما يقولون …الحاجب كاذب (يضاء ثقب في الجدار حيث يرى وجه الحاجب وهو يقهقه بخبث ) وصاحب الشرطة كاذب أيضا (يضاء ثقب في الجدار حيث يرى صاحب الشرطة وهو يقهقه بخبث) كلكم كاذبون حتى أنا … طريق الصدق بعيد عنا …رغم انه بيننا ...ويسكن حيث نسكن…لكننا أردنا ان نخنقه بأيدينا …الويل لنا نحن نريد ان نطفئ الشمس ،الويل لي , ما عدت املك قدري ولا عبارة صدق في شفتي , لعبة الكذب نلعبها جميعا منذ أزمنه طويلة ...يا لها من لعبه قذرة , هكذا يريد أبطالها ان تكون…لننطق كلنا بلغة واحدة وعبارة واحدة , لكننا نجهل المصير هذه مملكة الشحاذين وليست مملكة الذهب (بغضب) كفى ضحكا على الناس...لقد مللت كل شيء حتى الضحك (يتحرك و يقترب من صورة قرد معلقة على الجدار )وأنت أيها القرد قبل ان تموت وتصبح صورة على الجدار ماذا كنت ؟… كنت قردا تردد ما أقول .كم تمنيت وقتها ان تكون رجلا ولو لمرة واحدة في حياتك وتقف في وجهي وتقول لي كفى كذبا أيها الوالي لا تبع حياءك إلى الأبد …لا تفرط بآخر قطره ماء في وجهك ...عشت قردا ومت قردا . (يضرب الحائط بقوة ) الويل لذات لا تعرف مصيرها ،الويل لصخرة يدحرجها السيل , ولا تدرى أين يستقر بها المقام ؟ ربما تحمل إلى أعماق بحر قصي وربما تصطدم بصخرة اكبر وتتهشم …(يقترب من صورة الكلب) وأنت يا حاجبي القديم كيف جعلت نفسك كلبا؟ هل هي نكتة من نكاتك ؟…أم أنها حقيقتك ؟…وأية حقيقة تظهر في النهاية ؟...هذه مسالة لا اعرفها , تنبح ليلا ونهارا حتى ولو نام الجميع ،تنبح حتى أفز من نومي وألقمك عظما ,( مع نفسه) كنت أتمنى أن تكف عن نباحك ولكنك تعودت على ذلك , حتى صرت لا تعرف غير النباح …عودتني على ذلك , لا اعرف النوم في الليالي التي لا تنبح فيها, لكن كلبا آخر تعلم مهنتك وصار أكثر منك قدرة على النباح …اقترب مني كثيرا , أحببته بعمق … وصار حاجبي المفضل …بل ونديمي المقرب …لكنه كان مثلك أيضا ...فقد أكثر من العواء والعض ،كان مهووسا بذلك , لم يترك أحدا لم يعضه, حتى انه في احد الأيام …اقترب مني وقد فغر فاه …لكن سيفي وحده وجد طريقه إليه وخلصني منه بسرعة …ما هي إلا صرخة واحدة و انتهى كل شيء …ضحكت ثلاث ليال وغفوت ليلة هادئة تلك التي نمتها …لكن ألمي أيقظني مذعورا …انه يعتصر قلبي …آه أيتها الذكريات كم أنت ثقيلة على رأسي (يضرب صورة الكلب صارخا )اذهب عني أيها الكلب …فأنت كلب في كل الأحوال . (يقترب الوالي من صورة الديناصور) غريبة كل الأشياء ،ما عدت اعرف شيئا …قطعة النقود الصغيرة تصير كنزاً …وقطرة الماء أصبحت بحرا , ترى كيف يكون ذلك ؟… اذكر إنني ذات يوم اشتريت قطة سيامية , ثم قيل لي ان عواء هذا النوع من القطط النادرة يدخل الرعب في قلوب الفئران ولن يدخل الطاعون بيتي أبدا …كان قطا صغيرا مثل كرة بيضاء أحاطها فرو ابيض من كل جانب …كرة لا تخيف أحدا حتى ولو كان عصفورا محلقا , لكن أية لغة كانت تمتلكها قطتي هذه ؟ فقد أخافت كل حيوانات قصري , تدحرجت الكرة من يدي ذات يوم…وفي اقل من لمح البصر تحولت نمرا …ثم أسدا …ثم وحيد القرن …أصابني الذهول والرعب …أيمكن أن أكون مسحورا ؟...لم اعرف ذلك …ولم اعرف أي طعام يأكل هذا الحيوان الجديد ؟ …في كل لحظة له وجه وأنياب …وشكل مخيف…أصابتني الحيرة لذلك …ولم افهم شيئا …ولكن كل الذي فهمته فيما بعد هو ان كرشه كان يكبر ويكبر حتى بدا يستند عليه .سألته…من أين لك هذا ؟ أجابني ضاحكا : لم أحب التخمة أبدا في حياتي …لكن ماذا افعل ؟...حينما يكون الطعام لذيذا …ورائحته شهية , ومثل النار بدأت أأكل …وآكل كل شيء تصله يداي …وكما تراني أكثرت من التوابل حتى تخدشت جدران معدتي …وامتلأت دما. (يتحرك الوالي بعصبية) الآن عرفت ما كنت اجهله … لقد تذكرت حينما كثرت الشكوى في مملكتي …جاءني أطفال كثيرون…لقد رفضوا ما قدمته لهم من حلوى …ودمى …وصورا ملونة …كانوا يسألونني بإلحاح …أين ذهب آباؤنا ؟…أين ذهبت أمهاتنا ؟…أين ذهب الكبار من أخوتنا وأخواتنا …أين ذهبوا ؟…أين ذهبوا ؟…وقتها قلت لهم أنهم في سفرة بعيدة لشراء الفراء الثمين من القطب الشمالي , فملابسكم الحلوة هذه هي هداياهم إليكم…ولما كان الجو القطبي باردا جدا فقد تيبس فيهم كل شيء …حتى الكلمات في شفاههم …فصاروا جزءا من جليد ممتد ˝ وممتد عبر آفاق القطب الجليدي … عرفتم الآن أين كانوا يذهبون ؟…يا للرغبة العجيبة التي امتلكتني ذات يوم , فلقد رغبت في رؤية فأرة مجرد فأرة , كان كل رجالي يبحثون في خرائب مملكتي , لم يجدوا فأرةً واحدةً…ولكنهم كانوا يجدون أشكالاً غريبة , وعند حمام السباحة البلوري غفوت على حلم وردي في أن أرى جسداً أبيض مكتنزاً وسيقان رائعة جميلة , وصدراً يحمل ثديين كبيرين وشعراً اصفر , وعيوناً خضراء , ولكن يا للهول والعجب , فقد تبين لي فيما بعد ان قطتي السيامية هذه أصبحت ديناصوراً مرعباً … كانت لحظة حسم بيننا , أما أنا …او الديناصور فأصابع يدي تطال رقبته … كان أمامي ممدداً , كأنه لم يكن , كان الأمر سهلاً . لقد تزحلق الديناصور وسقط وكانت إصابته مميتةً, بكيت سبع ليال أخر و أعلنت الحداد سبعاً وقدمت الطعام للفقراء والمحتاجين … وطلبت من الجميع الترحم على القطة السيامية بإخلاص وصدق ووضع الزهور على قبرها المبارك , فعلوا ذلك وهم يبكون دموعا ساخنة … حلم مريع يلتهمني … أسنان أسد تنهش جوانبي … أيتها اللحظة كيف تهربين مني ؟, افتحوا النوافذ … وقطعوا خيوط الشمس ,تلاشيت أنت أيتها الأزمنة , وضاعت كل الوجوه من يمنحني فرصة أعطه الدنيا , أنا وحدي أتعذب , فوق كاهلي تركزت كل الهموم , من يمد يده وينتشلني ؟ من ؟… وحدي وسط هذا الموج الصاخب , ما أتعس ذلك الحلم المرعب الذي احرق ذاكرتي , شجرة المطاط بأوراقها الكبيرة … كنت أراها هناك عند النافذة ...ولكن ياللهول فجأة هبت ريح … بدأت تضرب أمامها كل شئ أوراق شجرة المطاط بدأت تتساقط ,الحراب أحاطت بها من كل جانب لكن الأوراق تتساقط … ذلك قدر لا نعرفه لكنه حقيقة ثابتة , بدأت الدنيا تظلم وأنفاسي تضيق حد الموت ,جثتي معلقة على حبل بين منارتين … ينهشني أناس اعرفهم , ربما أطعمتهم يداي … يا للألم كم كانت أيامهم مؤلمة , نهشوا كل شئ في جسدي حتى عظامي … وحينما استيقظت من غفوة أبدية كان كل شئ قد انتهى … نظرت الى يدي كانت التقاطيع غريبة … ارتميت … انتهيت …سقطت حتى ما عدت أنا … غريب على نفسي من نفسي ...كيف السبيل ؟!( صور تضاء لرجال على الجدار وهي تتجسم , وتتكلم و تقترب من الوالي ). الحاجب : سأناطح الأسد واطرحه … ستراه أمام عينيك جثته هامدة . الوالي : ولكنه أسد كبير كبير جداً … ربما يلتهمك في لحظات !!!. الحاجب : حتى ولو كان كبيراً فأن حاجبك اكبر … وأقوى . الوالي : (مع نفسه ) هذه أول مر يجرؤ الحاجب فيها وينطق أمامي بكلام مثل هذا , لقد حانت نهايتي … ما عدت اناً. صاحب الشرطة : سأسجن الحلم المرعب وافرق أوصاله , فأن يدي تصل حيثما أريد سأحرق الأحلام اللعينة التي تمس هدبيك , سأذر رمادها في العيون . الوالي : ياللتعاسة … انه لم يستثن عيني …آه ما أثقل الكلمات التي لا نور فيها , لقد أظلمت كلماتي , و ما عادت تضئُ مثل سابق عهدها .أنا اعرف كل شيء حتى …حتى… صاحب الشرطة : (مضيفاً ) لغة الأجنة في أرحامها … الوالي : (مع نفسه ) انه يعرف كل شئ وهذه نهايتي أيضا (يحدثه ) ولكن ذرات الغبار لا تستطيع ان تبدل زرقة البحر (يتحرك ) كل الأشياء أمامك أيها البحر حتى الأمواج العاتية فأنها تتلاشى وتختفي . الحاجب : إن الأموال تفعل كل شئ ( يخرج من جيبه درهماً ذهبياً )… ان لهذا الدرهم الذهبي قدرة عجيبة … قدرة تجعل الناس يضحكون ويبكون … ويقتلون أطفالهم بأيديهم , وتجعلهم مثل الحيوانات يتراكضون ويدوس صغيرهم كبيرهم وكأن شيئاً لم يكن . الوالي : لقد مرت الأيام وانتهت وما عادت للدراهم قدرةً في ان تفعل ما أريد لقد عرف الناس كل ذلك , آلاف السنين جعلتهم يتشوقون للحقيقة حتى الموت … جاهل من لا يعرف ذلك … ذلك الوراق اللعين له رائحة غريبة لا تقاوم … سماء مملكتي ما عاد لها ذلك اللون الأزرق الصافي … انها محاطة الآن بألوان غريبة وأطياف يشتد بريقها … ظلام يستبد ومصابيح تضاء ولا قدرة لي لان أنكر ذلك , فلتخرسوا ولتصمتوا إلى الأبد , الويل لكم جميعاً … الويل لكم جميعاً … اذهبوا إلى الأبد .(يتلاشون أمامه ) . اللعنة عليكم جميعاً … لا أريد أن أكون واحداً منكم (أصوات مختلفة وضحكات من كل جانب , الهلوسة تسيطر على الوالي , يضرب الصور … أشكال مرعبة تتراكض في المكان … يسقط الوالي مغشياً عليه , ترمى كتب كثيرة , يتوقف الوالي عن الحركة وهو تحت الكتب و الأوراق , يختفي الضوء , ويظهر من جديد … دكان الوراق … حيث الوراق يقرأ وأمامه شمعة ويزداد الضوء … يمتلئ المكان بالناس وتتغير الوجوه والملابس الفرح يملا المكان ... والضوء يزداد) النهاية | |
|