بسم الله الرحمن الرحيم
نص مسرحية الثعلب الذي خدع نفسه(مسرحية قصيرة للأطفال)
أحمد اسماعيل اسماعيل
(المنظر عبارة عن تل يشرف على سهل أخضر رحب , فوق التل صخرة كبيرة
يختبئ خلفها الثعلب وهو يسترق النظرات إلى السهل , بعد لحظات يدخل ذئب
هزيل الجسم ..)
الذئب : عووو..
الثعلب: (يجفل) أهذا أنت أيها الذئب العجوز ؟
الذئب : هل أخفتك ؟
الثعلب: (مكابرا ) لا.لا. لم أخف .
الذئب : لكنك جفلت , و شحب لونك .
الثعلب: ظننتك ذئباً أخر .
الذئب : ذئباً شاباً وقوياً ؟ أليس كذالك؟
الثعلب: (بضيق ) أف أيها العجوز , دعني أنفذ المهمة التي أمرني بها ملك
الغابة .(يعود الثعلب إلى مراقبة السهل )
الذئب : ( باستغراب ) ماذا قلت ،مهمة ؟!لا شك أنها مهمة خطرة .
الثعلب : (بغرور ) نعم . هي كذالك .
الذئب : وما هي ؟
الثعلب : هذا سر.
الذئب : وهل توجد أسرار بين الأصدقاء ؟
الثعلب : ( وهو يراقب . يخاطب نفسه ) أوشكت الشمس على المغيب , ولم أشاهد جملاً أو حملاً. أف .
الذئب : الآن فهمت .
الثعلب: ماذا فهمت ؟
الذئب : إنك تنتظر فريسة ما ؟
الثعلب: نعم .
الذئب : وعندما تشاهدها ستنادي الملك لينقض عليها .
(الثعلب يصمت في حيرة)
الذئب : لماذا لا تجيب ؟
الثعلب: ماذا أقول ؟
الذئب :أي شيء, قل لي : إنك نطقت الصواب أيها الذئب الفهمان .
الثعلب: (بضيق) هل تعرف ما هو الصواب أيها العجوز؟
الذئب : (بسرور) ما هو يا صديقي ؟
الثعلب : أن أنادي الملك لينقض عليك ويفترسك بدلاً من الفريسة التي أنتظرها .
الذئب : (برعب ) لا حاجة لذلك يا صديقي , سأصمت ,سأصمت تماماً (يصمت وقد كمُّ فمه بيده )
الثعلب : بل يجب أن تذهب من هنا أيضاً , وفي الحال .
الذئب : لماذا ؟
الثعلب : (ينادي) أيها ..
الذئب : (بخوف . يكلم فم الثعلب ) أنا ذاهب , أنا ذاهب في الحال يا صديقي .
(يخرج الذئب . الثعلب يضحك بانتشاء . ثم يعود إلى مراقبة السهل ,
يحملق فجأة في السهل )
الثعلب : ما هذا ؟! ماذا أرى ؟ إنه..إنه ثور ..بل ثوران .بل ثلاثة ثيران ..يالها من
وليمة !!
(ينادي الأسد ) يا سيدي، أيها الملك ،يا سيد الغابة المعظم .
(يدخل الأسد مزمجراُ، يقاطع الثعلب )
الأسد : ما هذا العواء المنكر أيها الصعلوك ؟
الثعلب : غنيمة يا سيدي،وليمة فاخرة .
الأسد
بسرور ) وليمة ؟ أين هي ؟
الثعلب : في السهل يا سيدي، هناك في السهل .
(يلقي الأسد نظرة إلى السهل فيزمجر مسروراُ بما يراه )
الأسد
يزأر) أيها الثعلب .
الثعلب : نعم سيدي .
الأسد : انظر إلى عيني .
(ينظر الثعلب بخوف إلى عيني الأسد ) قل لي :كيف تراهما ؟
الثعلب :محمرتين يا سيدي ،محمرتين كجمرتين متقدتين .
الأسد
يزأر ) وفمي..كيف تراه ؟
الثعلب : جميل يا سيدي ، إنه أجمل فم رأيته .
الأسد : (بغضب ) لم أسألك عن جماله أيها الصعلوك .
الثعلب
بحيرة وخوف) إنه ..إنه رائع يا سيدي الجميل .
الأسد
بانفعال) أعرف ذلك أيها الأحمق،ولكن قل لي :هل فمي يرغي ويزبد ؟
( يزداد خوف الثعلب وهو يرى فم الأسد يرغي ويزبد )
الثعلب :نعم، نعم يا سيدي ،إنه يغبد ويزرب..(يستدرك) يرغي ويزبد.
الأسد : (يزأر ) وصدري . كيف تراه ؟
الثعلب : جميل يا سيدي،جميل وقوي يا سيدي القائد .
الأسد : هل يعلو ويهبط كموج البحر ؟
الثعلب : ماذا ؟!!
(يحملق في صدر الأسد الهائج بخوف زائد فيصمت مرعوباُ )
الأسد : تكلم أيها الجبان ، قل ماذا ترى ؟
الثعلب : أرى .. أرى موج بحر هائج يعلو ويهبط ..يهبط ويعلو يا سيدي الثائر .
الأسد
يزأر) الآن أصبح بإمكاني الانقضاض على الثيران بسهولة ويسر،وتمزيقها
شر تمزيق .
( يزأر ويهبط الوادي بسرعة فائقة )
الثعلب : (لنفسه،باستغراب ) ماذا ؟ بسهولة ويسر ؟!
( يقلد حركات الأسد ،يسمع زئير الأسد ،فيتابع ما يحدث في الوادي )
يا إلهي !الثيران المذعورة تفر كالفئران، أحد الثيران ينطح الملك ، يا
للهول الملك يسقط !غير معقول !! (بسرور ) ها هو ذا يهب واقفاُ،يزأر
يلطم الثور،يسقط الثور على الأرض، الثوران الآخران يهربان،عظيم،
عظيم يا سيدي ،عاش الملك ،عاش الملك الملهم الفذ.. (لنفسه ) إنه بعيد
لن يسمع صوتي وأنا أهتف له .سأهبط إليه لأهتف أمامه .
(يهبط إلى الوادي وهو يعوي ويهتف ) عاش الملك..عااااش .
( يتغير المنظر، يظهر الثعلب جالسا ًيفكر . بعد لحظات يدخل الذئب العجوز . يرى الثعلب يحدث نفسه ويقوم ببعض الأفعال و الحركات الغربية .. )
الذئب : لاشك أن صديقي العزيز يخطط لتنفيذ حيلة ماكرة .
( الثعلب لا يلتفت ناحية الذئب .. )
الذئب : ( بخبث ) هل هي مهمة خطيرة كالمهمة السابقة ؟
( الثعلب لا يجيب ، بل يستمر في أداء حركاته الإيمائية )
( وبعد تفكير .. ) لكن الملوك لا يحتاجون إلى الحيلة لتحقيق ما يصبون إليه .
الثعلب : (باستغراب ، وقد انتبه إلى وجود الذئب ) ماذا قلت ؟
الذئب : قلت : إن الملوك لا يحتاجون إلى الحيلة لتحقيق ما يصبون إليه .
الثعلب : لماذا ؟
الذئب : لأنهم ملوك، قوتهم تكفيهم .
الثعلب : ( بغرور العارف ) أنت مخطئ يا صديقي العجوز.
الذئب : لماذا ؟
الثعلب :لأن الحيلة أساس قوتهم .
الذئب : كيف ؟! لم أفهم شيئاً مما قلته .
الثعلب : ببساطة شديدة جداً جداً . لقد عرفت كيف أستأسد ،تعلمت هذا الفن. وسأفترس الحيوانات القوية كما أفترس الدجاج والأرانب .
الذئب : ( باستغراب ) كيف ؟!
الثعلب : (بغرور ) هذا سر أيها العجوز .
الذئب : سر ؟ !! هل توجد أسرار بين الأصدقاء ؟
الثعلب : (بضيق ) وهل تريد أن يمزقك الملك ؟ (يعوي )
الذئب : لا .لا. سأبتعد . سأبتعد . ( يخرج الذئب )
الثعلب : (لنفسه ) والآن ، من سيراقب لي السهل ؟ هل أراقبه بنفسي .(يفكر)لا.لا.هذا لا يجوز. فأنا الملك . ولابدَّ من أن يناديني أحدهم :أيها الملك المعظم، يا سيد الغابة ( يفكر ) لماذا لم أطلب من الذئب القيام بهذه المهمة ( يفكر ) يُفضل أن أقبض على ديك أو أرنب و أحضره عنوة إلى هنا . ليؤدي هذه المهمة .هذا أفضل . وحين يرى حيواناً ما . سينادي: أيها الملك، يا سيدي المعظم ..
( يفرك يديه بسرور . ثم يعود . يخرج )
( يتغير المنظر، يظهر أرنب خلف الصخرة الموجودة أعلى التل يسترق النظرات القلقة الخائفة إلى السهل . يطل الثعلب برأسه بين الحين والأخر)
الثعلب : ( يهمس ) لماذا لا تناديني أيها الأرنب الغبي ؟
الأرنب : لم أر أي حيوان أيها الثعلب .
الثعلب : ( بحنق ) نادني بالملك المعظم يا غبي ، ألم أوصك بذلك ؟
الأرنب : (بخوف ) حاضر ، يا ..أيها الملك المعظم .
الثعلب : ( وهو يتوارى خلف الصخرة ) لا تنسَ ذلك .
الأرنب : حاضر يا سيدي . ¬¬¬¬
(تمر لحظات من الترقب ، يطل الثعلب برأسه مرات عديدة )
الثعلب : هل مر أحد ؟
الأرنب : لا يا سيدي
الثعلب : تابع المراقبة جيداً .
الأرنب : حاضر يا سيدي .
( يختفي الثعلب خلف الصخرة . الأرنب يحدث نفسه و هو يراقب السهل) أمر هذا الثعلب عجيب . انقض عليَّ فظننته سيفترسني . فإذا به يطلب مني أن أراقب هذا السهل . (ينظر إلى السماء )أوشكت الشمس على المغيب ولم يقع بصري على أي حيوان . (بخوف ) يا إلهي . ماذا أفعل ؟ إذا حل المساء ولم يجد فريسة فسيأكلني . (بعد لحظات . بفرح ) ماذا أرى . إنه أرنب . سأناديه .(يمعن النظر في السهل. بفرح زائد ) يا للفرصة الذهبية . إنه أرنوب . عدوي . لقد وقعت إيها الغشيم .
(ينادي الثعلب ) إيها الثعلب .(يطل الثعلب برأسه غاضباً)
الثعلب : أنا الملك أيها الغبي . ملك الغابة المعظم .
الأرنب : أيها الملك المعظم .
الثعلب : ماذا تريد ؟ ما هذا العواء المنكر أيها الصعلوك ؟
الأرنب : ( يتردد) هناك .. هنا..هناك .
الثعلب : تكلم أيها الأحمق .
الأرنب : ( لنفسه ) إني أحمق فعلاً .
الثعلب : تكلم أيها الجبان .
الأرنب : لا.لاشيء يا سيدي الملك .لا شيء .
الثعلب : لا شيء! لماذا ناديتني ؟
الأرنب : توهمت أنني رأيت أرنباً .
الثعلب : ( باحتقار ) أرنباً ؟!
الأرنب : أقصد حصاناً يا سيدي الملك .
الثعلب : انظر جيداً . ( يتوارى خلف الصخرة )
الأرنب : حاضر يا سيدي الملك . ( لنفسه ) أية حماقة كنت سأرتكب،بل خيانة،خيانة واحد من أبناء جلدتي ،أف .
( يعود إلى مراقبة السهل . بعد لحظات من المراقبة ينادي بصوت عال ) أيها الثعلب . أيها الملك العظيم .
الثعلب : (يهرع نحو ه) ما هذا العواء المنكر أيها الصعلوك ؟
الأرنب : (باستغراب ) أنا لم أعو يا سيدي ،بل ..
الثعلب : (بحنق ) هيا تكلم . قل إنها غنيمة يا سيدي . وليمة فاخرة .
الأرنب : غنيمة يا سيدي ، وليمة فاخرة .
الثعلب : أين هي ؟
الأرنب : في السهل يا سيدي . في السهل .
( ينظر الثعلب إلى السهل . يعوي مسروراً )
الثعلب : ( يعوي ) أيها الثعلب .
( الأرنب يتلفت حواليه باستغراب وخوف )
الثعلب : ( بحنق ) لماذا تتلفت حواليك هكذا أيها الأجدب ؟
الأرنب : أين الثعلب الذي خاطبته يا سيدي ؟!
الثعلب : أنت هو .
الأرنب : أنا ؟!
الثعلب : نعم . قل : أمرك يا سيدي .
الأرنب : ( بخوف) أمرك يا سيدي .
الثعلب : انظر إلى عيني .
( ينظر الأرنب إلى عيني الثعلب )
كيف تراهما ؟
الأرنب : إنهما صافيتان كعيني الديك يا سيدي .
الثعلب : ( يعوي ) قل : إنهما محمرتان كجمرتين متقدتين .
الأرنب : ( وقد استبد به الهلع ) إنهما محمرتان كجمرتين متقدتين يا سيدي .
الثعلب : (يعوي ) وفمي ؟
الأرنب : رائحته عطرة كالمسك يا سيدي .
الثعلب : (بغضب ) لم أسألك عن جماله أيها الصعلوك .
أقصد عن رائحته .
الأرنب : إنه جميل يا سيدي .
الثعلب : (بغضب شديد ) قل إنه يرغي ويزبد .
الأرنب : إنه . إنه يرغي ويزبد يا سيدي .
الثعلب : ( يعوي ) وصدري .كيف تراه ؟
الأرنب : إنه جميل يا سيدي .
( الثعلب يعوي... )
أقصد أنه يعلو ويهبط . يهبط ويعلو كموج بحر هائج يا سيدي الثائر.
الثعلب : ( يعوي )الآن صار بإمكاني الانقضاض على الثيران بسهولة ويسر،
وتمزيقها شر تمزيق .
( يعلو عواء الثعلب في السهل ، فيتابع الأرنب ما يحدث في الأسفل ...)
الأرنب : ( بحماس ) أنه يحوم حول الحمار ، يهجم عليه . و..يرفسه الحمار ، الثعلب يسقط .الحمار يدنو منه ،يا إلهي .الحمار يرفسه ثانية . (بحماس أكثر ) الثعلب يتمدد على الأرض جثة هامدة .عا.. عاش الحمار ويسقط الثعلب .. ( ينط الأرنب ويرقص فرحاً.. يشاهد الذئب العجوز يدنو منه . فيهرب .)
( يتغير المنظر . يظهر الذئب العجوز إلى جانب الثعلب الجريح )
الذئب : فمك يرغي ويزبد يا صاحبي .
الثعلب : ( بألم وسرور ) عظيم .وعيناي، كيف تراهما ؟
الذئب : عيناك حمراوان كجمرتين متقدتين .
الثعلب :عظيم . وصدري ؟
الذئب : ما به ؟
الثعلب : ألا يعلو و يهبط كموج هائج ؟
الذئب : بلى يا صاحبي .
الثعلب : ( بسعادة وهو يتألم ) هذا يعني أنني صرت أسداً ،وملكا.
الذئب : ( بسخرية ) بل هذا يعني أنك تحتضر . وربما تموت الآن . أيها الثعلب المخدوع ، والواهم .
( الثعلب يتحسس جسده . يتألم . يبكي وهو يرى الذئب يعوي مكشراً عن أنيابه )
إظلام .